2.9.15

وإن لم تزل جراحك مفتوحة


لا تؤذ أحداً ولا تدع أحد يؤذيك لا تفطر القلوب ولا تكن مفطور القلب*

لا أظن بأنك تخيلت أن أبدأ حديثي عنك للمرة الأولى المباشرة هكذا! ولا أعتقد هذا ما تمنيته أيضًا.. كنت أخفيك بين السطور كما تخفيني في زاوية صغيرة من حياتك وتُملكني جزء كبير، أكبر من طاقتي، أحاول إخبارك أنه ليس لي، لن أملأه، ولا تتوقف عن المحاولة، أغضب منك، تواجهني، أقوم بصدّك، ثم أشعر بقسوتي فأعود لمصالحتك...

بُنيت علاقتنا شديدة التعقيد على هذا الأساس، بشكل مضحك ومستمر كنت أفكر بعبلة الرويني المُنطلقة المجنونة وأمل دنقل الجنوبي الثابت وكيف أن حياتهم لم تكن بسطية أيضًا، لكنها على الأقل توصلا لمعادلة للحياة سويا، وللحب، وللبقاء الأبدي.
وفشلت في المقارنة بعد ما أعدت التفكير فيما يحدث مؤخرًا، لا أقصد الأمور الطيبة التي ستظل محفوظة في دواخلنا، أعني كل الذي لا يمكن محوّه وفي أنني كلما حاولت معايشته/معايشتك وتناسيه تأتي الصدمة التالية لتوقظ ما سبقها وتخيفني مما سيليها، ليس قصدي هُنا الخوف المتوجس الذي يمنعك من لمس سلك التلاجة لاحسن يكون ملمس، لكنه الخوف الرافض أن يطالك المزيد من الأذى لإدراكك بأن السلك مقطوع ويدك معرضة مباشرة للقطبين السالب والموجب وأنت موّصِل جيد للكهرباء رغمًا عنك.
صدقني، أردنا الاعتراف أم لا.. هذا ما يحدث بقصد أو بلا قصد وأنا تعبت وأتحدث عن نفسي..عنها فقط.

حين أغضب، أحاول تجنُب ما يصدر بداخلي، ما يود لساني قوله بلا تفكير، يُمكن لكلماتي وصدقي الغير معلن إيلامك بقدر لا تتخيله وأحاول ألا أفعل. أحاول حمايتك فألتزم الصمت حتى أهدأ وأنسى الأمر فأتخلص منه وأتمكن من العودة. كلما صمتت أنا وألقيت بالحدث في خلفية عقلي، تستمر أنت بإثارتي، كما يفعل أطفال شادباغ/باكستان حين يلقوا الحجارة على بعضهم ويظل أحد ثابتا في مكانه بغرض اللعب.

في المرة الأخيرة أغضبتَني لحد أعماني عن الرغبة في استكمال الحوار "المُتحضر" كما تسميه، فحملت أوراقي وما تبقى لي من الأمور التي لم تعلمها نهائيا وادعيتَ أنك ألممت بكل أمورها بلا ذرة شك، لم أُعلنك مخطئا حتى ورحلت بهدوء.
صدقني لا يمكن لأحد أن يلومني، ولي كل الحق في لومك على اقتحامي، ولا أبالي هذه المرة نهائيًا بغرضك وحسن نيتك.

كل ما أفكر به على الأقل، كان عليك تعلم الدرس المتكرر، وجَب عليك اختيار وقتي الملائم وليس وقتك كالمعتاد، حينما أخبرتني بحبك كان الوقت غير ملائم بالنسبة لي، حينما وصلت لمرحلة الانكسار لم يكن الوقت مناسب لي أيضا، لهذا تظل تخبرني بأنني لم أفعل كل ما بوسعي هذا العام، لأنك كنت سبب الإلهاء الأعظم وإن أنكرت هذا بكل قوتي.

لا أنفك أحاول تذكُر إن كنت طلبتُ منكَ إصلاحي، وكذلك لم أطلب من أن تتخذ مكانًا قريبة لتلك الدرجة؛ لذا لا أعلم ما الذي أغراك لافتعال كل تلك الجلبة لنبش قبر قديم وجرح أزلي، ومن ثَم رش الملح والليمون ظنا انك تُطهر جرحًا لست طرفا فيه، جرحا مضى عليه سنوات متعاقبة، ثم تغضب لتجاهلي ما فعلت ورد فعلي على خطأك...أين ذهب عقلك!


أحيانًا أفكر...ربما كان الأمر الأفضل أن تترك الحب وتأخذ الأسى لكنك لم تستطع يوما ولم أعد أثق بحكمك في تلك الأمور لأهديك أية فرص، ‬وربما لا تعلم أن كثرة المحاولات رفاهية لمن مثلي، فأنا من مُصابي التوتر المزمن والمتأثرين بسرعة الحياة والأشخاص ولأنني كعادتي حاولت وضع حدود وفشلت في النهاية ...فلا أجد مفر - بعد أن استنفذت جميع فرصك وأهدرت طاقتي على نكران طرقك الخاطئة في الولوج لدواخلي الأكثر هشاشة من طرقك وخطواتك الغير آمنة - من سحب قواتي وطرد قواتك من ثم إعلان الحرب الباردة...


لم يعد هناك شيء باق سوى السلام والمسافات البعيدة، حيث أوقف كل ما التقى وحدث من قبل، لأن كلينا، أنا وأنت لا نستحق هذا الألم.
............................



‫إليف شافاق*