29.8.15

ياسمين وشلوحة المجرة


لأن الحب لا يكيل بالبتنجان ولكن يكيل بالأحضان المفاجئة الطويلة في منتصف الشوارع المزدحمة، فالشارع لنا، والضوضاء، والنعم التي لا نستطيع حصرها خُلقت لأجلنا وحدنا.
لأن قلبونا منهكة والله يعلم ما لا تعلمون..
لأنني مريضة بالحزن بشكل حقيقي وتسكن رأسي كائنات تُعاقب الفرح وتحبسه في قفص زجاجي، كائنات قبيحة لا تترك بالخارج سوى الحزن والغضب..ولا يقلل من مرضي سوى القليل من الحب من بعض الأشخاص بعينهم.

أنا حزينة لأنني مريضة؟ أم مريضة لأنني حزينة؟ لا أعلم... ولا استطيع زيادة هيرمون السعادة وتقليل من هيرمونات التعاسة وتساقط شعري والتوتر الزائد...أحاول الحرب أقسم لك، فأُنهك وأنتهك وأبكِ في الطريق.
الليلة كنت وحيدة أمام المترو حين وقف أمامي رجل في الخمسينات. يسألني إن كنت على ما يرام أو محتاجة حاجة؟ فأخبره أنني بخير وأنتظر شخصًا. يقترب أكثر فأجفل وأسأله بشَك"هو حضرتك مش بتسأل عشان هتخطفني، صح؟" لا أشعر بتهديد حقيقي من هذا الغريب وأناقشه في مسألة مصيرية بكل صدق وسذاجة لا أعلم مصدرها. يتخذ خطوة للخلف لطمئنتي ويخبرني بأنه ممكن يوصلني لو معييش فلوس أو تعبانة.. وإنه لأ مش هيخطفني، فأشكره وأنظر للأرض...أفكر أنه قد يكون كاذباً حتى يبدأ بالتحرك باتجاه مدخل المترو ينظر نحوي بعد وصوله لآخر عتبات السلم يبتسم ببشاشة ويلوح بيديه الاثنين، ليس بيد واحدة فقط...أراه في الإضاءة بشكل جيد لأول مرة ، أحاول رفع يدي تجاهه أجدها تؤلمني فأهزر رأسي ولا أعلم إن كان رآها، يُذكرني بجدي كما أذكره فتزداد رغبتي في البكاء خصوصا انه فعلا طيب ومعندوش أغراض دنيئة.

تأتي ياسمين فتحتضني لأكثر من نصف دقيقة حتى استسلم وأبكِ فوق كتفها... "حاسبي الدموع بتبوظ التيشرت الأبيض"
أضحك ولا أخبرها بأمر أحمر الشفاه -أو بمبي الشفاه لأكون دقيقة- اللي بهدل كتفها وإن مش المشكلة في الدموع خالص دلوقتي!
نذهب بعشوائية لشارع جانبي نشتري فرشاة أسنان جديدة مُحفزة للسعادة...
أفكر أن أخبرها: "أنا ليه اللي بيحبوني بيخلوني عاوزة اعيط كده...هما معملوش حاجة بس محاولاتهم مؤلمة"
ثم أتذكر نَص كتابي لطيف عنوانه"منى لا تفكر في الحب"، وأكررها رضوى لا تفكر في الحب أيضا. وأودعها، تدعوني لمنزلها فأرفض ثم أستكمل سيري.
أصل لمنزلي لأجد ياسمين ترسل لي"والله بعد ما سيبتك كنت عاوزة ازعق بصوت يهز المجرة واقول هشلوحكم كلكم"
فأضحك بصدق لأنها فعلت ما توجب عليها فعله بهدوء وجابت لي حقي من المجرة بشكل مجازي.


..............................
مصدر الصورة : هنا