لم أتعلم حياكة الأشياء الدافئة الصوفية.. كيفية ترتيب البهجة بألوانها في سكارف وقفازين، ليس بعد..
هنالك القليل الذي أحيا لأجله وهذه واحدة
في البرد ..حنين شتوي جارف يحملها إليّ، رائحتها العالقة بالألياف الدقيقة..
لا أذكر تفاصيل كاملة سوى يوم إصابتي بزكام وارتفاع درجة حرارتي..ثم قضائي اليوم معها تماماً وحدنا..الدفسة تحت الأغطية وهي تلعب بالعصيّ الطويلة لتحيك لأجلي ما أصبح لاحقاً مفرشاً وبلوزة صوف بنص كُم ذات لون أبيض كقلبها تماماً.. تسبيكة المحشي الكرنب والورق عنب، اللذان لم أعد أتناولهم اليوم.. كما توقفت عن طلب الكشري بعدس أصفر وشوربة العدس لأنهم فقدوا تميزهم بداخلي.. لا شيء يشبهها في البهاء والنقاء ولعب الكوتشينة طوال الليل..
عزيزتي..
كيف أخبركِ كم أن ضوئي أصبح شارداً أكثر من مسلسلك المفضل وصرت أكثر ضياعاً من عقلة الصباع في حكاياتك ..الحدوتة التي لم أستطع حفظها أبداً..بدلاً منها كنت أروي إليكِ ألف ليلة وليلة وتبتسمين فخراً.. فقدت الكثير مني ولا أعلم كيف أعود لنقطة البداية ، فقدت الكثير واستهلكني الألم..وملأتني "ذكريات مؤلمة" تركتني مدرجة بالخيانات والكذب والخذلان..
لا أعلم حتى اليوم كيف أغفو في سريرك ، ولا تفارقني صورتك حينما أمر بالدهاليز الباردة.. كذلك أجهل كيف لا أفكر بالخوف الذي يملأني حين أخشى هبوب رياح "اليود" أو "الحنين"* وأنا أقف في الدهاليز ذاتها معه، أخشى حدوث أصغر خطأ يجعله يلحق بكِ ويتركني أيضاً..
كيف أخبركِ أيضاً بأني لم أعد أحلم بما يكفي قبل أن ينطفيء وهج الحلم..عدوى التوهة تتملكني ولا شيء يكفي ليصيبني داء السعادة الغير مشروطة..
أرغب بالصلاة لكني لا أعرف كيف أتوضأ بالتوهة وأصلي للعنوان ..أصلي صلاة الخوف ويبدو أن صلاتي لا تكفي كي يدخلني الله التجربة وينجيني من الشرير..
أعلم أن الحياة صعبة على الحالمين ولم ألاحظ كم تزداد صعوبة برحيل الذين يضعوننا في مكاننا السليم دون أن يدركوا.
_________________________
*رياح اليود أو الحنين..رياح خفيفة يقال أنها أرواح الراحلين تهب حينما يشعرون بالحنين إلى من بقي لديهم من أحبة على قيد الحياة ،ولا تمر الرياح قبل أن تأخذ معها أحد الأحياء للعالم الآخر .