1.12.13

ونعيد..ونعيد..ونعيد


 
من قال أننا نحتاج للمزيد من الصدمات لكسر روتيننا اليومي بعد أن صارت الصدمات روتيننا اليومي؟!
حاولت عدم قياس الأمور بهذا الشكل، لكن حينما رأيت الفتاة تبتسم للمرة الأولى، بكت أخرى قبل أن تتوقف ابتسامة الأولى..الأمور بتلك العبثية وكأن الكون لا يستطيع احتمال ابتسامتين منهما..

كنا نستند إلى بعضنا كالحوائط التي تسند الأسقف وتمنعها من السقوط..
نردد :"ستكون الأمور على ما يرام".. كذباً..
نحاول قضاء الليلة على بُعد مسافات رغم قرب قلوبنا التي تُركت مع الراحلين صباحاً..تركناها لتمنحهم دفء لن نمتلكه في الصدمات المقبلة..


من قال أن "ثقل جبل الرضوى" يتعارض مع "هشاشة حزن رضوى" ؟! من قال أنني لا أحيا حربي الخاصة وخوفي الخاص وأخشى فوبيا الخوف نفسها فأحاول اعتراء اللامبالاة ثم محادثة كل من أعرفه لأطمئن في نهاية اليوم..أو ممارسة فعل الهرب من الواقع بكل سبله، فأفشل وأنكب على الأخبار ثم لا أعترف بفشلي.. وأعود لأهتم رغماً عني..؟!

من قال أن واجبنا الأبدي هو الصمود بمعركة لم نرغب بها في الأساس..؟!
صدقني .. لا نحتاج المزيد من الدراما والصدمات نحتاج بداية جديدة بدون "وجع قلب"..



.................................

تقف موقف العاجز....لا تملك سوى بعض كلمات...قد تخفف لبعض الوقت...
تقف أمام تلك الأم لتحتضنها علها تهدأ...فتكلمك عن ابنها و كيف كان وماذا كان يفعل...وأين أصبح الآن...وتحدثه وهو بداخل عربية الاسعاف اللي نقلته و تقول له: "شوفت خدت ايه من هندسة؟ ..شوفت هندسة عملت فيك ايه؟" ، وتتوقف قليلا عن الحديث..تنظر الى العربة بحرقة.. وتبتسم ابتسامة مكسورة مليئة بحزن وقهر وحسرة وتستمر في البكاااء و البكاء ..وأنت عاجز لا تملك سوى كلمات...
تسألني: "هو أكيد مخرجش للمظاهرات بره..أكيد سمع كلامي.. ده وعدني!!"
والجميع يطمئنها و يهدئ روعها و فزعها كلما زاد أنينها..و كل شوية تسأل "هما هيطلعوه امتى هما ليه مش راضيين يطلعوه؟..."مرة أقول لها مش عارفة و التانية أقول لها "اجراءات معلش..." تبص و تسكت..حتى انفجرت الام صارخة "كفاية مارحمتهوش و هو عايش مش عايزين ترحموه و هو ميت ....ارحموه علشان ربنا يرحمكم...حرام عليكم". 
وعادت بعد ان هدأها الناس....عادت لتجلس بجانب ابنها الصغير.....عمره من 8 سنوات الى 9 ..يبكي لكن كالرجال لا يريد لأحد أن يلحظ...وتسمع والدته تقول له:"أنا آسفة يا حبيبي ماخلتكش تروح لمحمد تلعب معاه...وتحكي " بقالي أسبوع بقول له لما يخلص امتحانات سيبه يذاكر هيخلص امتحاناته آخر الاسبوع..اهو جه آخر الاسبوع"..
سامحني يابني سامحني و تضمه إليها...وهو يبكي و تقوله ادعيله يقولها "يعني أنا مش هشوفه تاني كده خلاص" بدموع طفل حائر "...انا عايزه" ..فتنهمر دموع الام كالنهر او البركان.. تلمح الاب من بعيد يتماسك وبيداري دموعه بس هيهات ده ابنهم الأول على حد قولهم "أول فرحة"...و يجلس امام العربة التي هي بها ابنه ﻻ كأنه يحرسه..... وتلمح و تلمح و تلمح وتستمع.... ولكن كفى حديثا و كفى ما ذكرت فما عدت اشعر بجدوى قول شئ سوى حسبي الله الذي لا إله إلا هو وحده وهو نعم الوكيل.... ففي حضرة الدم يخجل كل شئ.
 

(كتابة بسمة علاء عن الشهيد محمد رضا..
بسمة الأشجع في حكايا الوجع..
واللي حضنها بيكسر صمودي وبيخليني عاوزة أعيط)
 

 .............