5.5.14

كلٌ مُيسر لألم خُلق له


في البدء كنت الفتاة التي لا تعرف الفرق بين شارع بيت جدها بجاردن سيتي وشارع الكنيسة المجاور، فتركض خلف بائع "الآيس كريم" بسذاجة متناهية دون أن تخبر أحداً من الكبار، يُضيعها الطريق ولا تجد معالم المنزل فيسقط من يدها ال"آيس كريم" وتقف في منتصف الطريق تبكي حتى يجدها الرجل الغريب، هنا تكتشف أنها لا تحفظ عنوان منزلها أو رقم هاتف والدها أو حتى اسم جدها بالكامل! فتتخيل نفسها تائهة للأبد، ربما تختطفها إحدى السيدات القرشانات من أمثال " الكتعة" وهي ليست بقوة "بلية" لتهرب منها.. فتفيق من تلك المأساة والأفكار المرعبة على صوت مألوف من سيارة "إسكودا فليشيا" حمراء يترجل منها رجل لم تكن تعرف غيره حينها، يحتضنها برفق ويعيدها إلى المنزل.

مجدداً يضلني الطريق ولا أعلم أين تقع قدمي من العالم المتسع..
مجدداً أنكث عهدي بعد أن عاهدت نفسي ألا أقص عليك المزيد عن هشاشتي ، كما عاهدتها ألا أفتقدك، أو أكتب عني إليك مجدداً، أو حتى اتساءل هل تعمدت إيقاعي أم سقطت منك سهواً؟!
ألا أقص الأيام السيئة التي تباغتك بدايتها بحلم مفزع لا تعلم من أين نسجه عقلك الباطن..
تلك الأيام التي لا تطل فيها أغاني فيروز المفضلة لديك من الراديو.. وتبخل حتى درجات الحرارة في أن تشفق على قلبك من الحزن فتهديك نسمات أثناء تناول مشروبك أمام شروق الشمس مبكراً.

الأيام التي تجد فيها أمين تاج السر، الطبيب الكاتب يردك خائباً من على مسافات حينما تطلب منه فتاة علاجاً لبرد الروح وحزن القلب
فيخبرها أننا جميعاً نعاني من ذلك الزكام وذلك الألم في الروح هو مصيرنا.. 
لا أعلم أين أركض من تلك الحقيقة لأختبيء!

ليس من المفترض أن أخبرك بأني لم أعد أنتظر .. ينطبق ذلك على الأشخاص والأشياء كلها..
على قدر راحة القلب وعدم خضوعه للخذلان الآن، على قدر الشعور بالوحدة الذي يغمرك لأنك لا تمتلك سوى ذاتك.. ولا تنتظر !
تكفيك نفسك خمسة أيام في الأسبوع وتقتلك الوحدة في اليومين المتبقيين لتعيد بناء نفسك الأسبوع الذي يليه وهكذا..

تعلم.. حينما تود قياس مدى سوء أو جمال إحدى الفترات في حياتك عليك وزن الأمور بدقة.. أنظر للخراب المتبقي وركام روحك أولاً قبل أن تقص الحكايا السعيدة.. انظر لأين وددت أن تصل وأين انتهى بك الأمر.. أخشى أن أنظر بعد قليل من الوقت لأجدني تركت شيئاً أحبه لأجل ما كان يجب عليّ فعله ، فأندم!..
الوضع مزري ..مزري للغاية يا عزيزي وعليك أن تتأقلم بالرغم من كل شيء لتستمر في محاولة اكتساب الحياة رغم علمك أنك تقتلها ببطء متناهي داخل روحك وتقتل قسراً شغفك بالأشياء مقابل أشياء أخرى لا تعني شيئاً بالضرورة.

في البدء كنت أخشى البدء..أخشى اقتحامي، فقداني، التخلي عن أجزاء مني طوعاً لأجل أحدهم.. كنت أخشى أن أضل الطريق أو التفت عما أرغب به..
واليوم بصوت متصدع مليء بالأسى أخبرك أن لا شيء يسمى الأبد، لا شيء يبقى ولا أحد، ستنزلق من يدك أشياء كثرة وتضل مراراً حيث لن يعبرك صوت فيروز من الراديو وانت بتشرب كوباية النسكافيه الفجرية ولا حتى وانت بتشرب شاي العصاري.

............

الصورة..
Museum of Modern Art, New York
Photograph by Gilbert Sape