30.11.17

أن تكون مرفوع الرأس، محنيّ الروح.

 

أتذكر مقالا قرأته مؤخرا في إحدى أيام العمل المرتبكة خلال أحد الاجتماعات الطويلة المملة عن: الألم. لا أذكر من الكاتب وأضعت المقال، لكني أذكر جيدا كلماته عن نعمة الألم، عن أن الإسراف في استخدام المسكنات سيجعلنا نتوهم قابلية الخطو سريعا على قدمنا المصابة حديثا لمجرد أننا لا نشعر بها، سيهيأ إلينا أن الألم زال وأننا في أفضل حال، فنخطو بالفعل ويزداد الضرر دون أن نشعر أن جسدنا يئن ويحتاج للمزيد من الوقت للشفاء، للتخطي، والبدء من جديد دون إيذاء مضاعف.


أحيانا أنتظر الألم أن يمر، لا يعني هذا أنني لا أحاول، هذه خلاصة خبرتي الوحيدة في التعامل مع الذي لا أعلمه، أخفض رأسي وأنتظر مرور العاصفة كي أرفعها مجددًا، يملأني الخوف والحزن والتوتر في مواجهة التعطش للرغبة في الحياة، فأنحني لأضع رأسي بين قدمي أكثر وأحاول تلاوة آيات وتعاويذ عن الأمن أتذكر مريم جالسة تحت الشجرة في المخاض وحيدة تتمنى الموت وأنها لم تمت وعادت مع قوة الابتلاء... أتذكّر مريم أخت موسى وهي تسير تاركة أمر أخيها لربه وتراقب، فقط تراقب من بعيد، ويصبح فؤادي فارغا كأم موسى ويربط الله على قلبي لأكون من المؤمنين...وإن فشلت أن أصبح نصف مؤمنة أحاول رفع رأسي وأنا غارقة بالكامل من الداخل رغم قلبي الفارغ، واستمر فيما كنت أفعله قبل مرور العاصفة، مدّعية قوة لا أمتلكها، قوة أعلم أنها لن تكفي للانتصار؛ لكن فقط للصمود فترة أطول، أراهن على الوقت والمشاعر الطيبة التي قد تكون سببا في استيقاظي في اليوم التالي...ثم أراهن على النوم ليخفي آثار الليلة السابقة، ثم أراهن على الماضي الأصعب والألم الذي لم أدر يوما كيف انتهى..لكنه أنتهى!


أكتشف أن مصادقة أشخاصا لا يتفهموا تماما طرق حفاظك على طاقتك ويستمروا بإهدارها دون وعي أو بغرض المحبة وحسب، هو الأذى بحد ذاته، وعدم تقديرهم لمحاولات التواجد رغم العاصفة يصبح أسوأ من الهروب منها أو الاستسلام...متناسين أن الأسهل دومًا في العامل مع الألم هو الهرب أو البحث عن مسكنات...وأنا أعلم جيدا أنني حتى في أحلامي أهرب من شخص أو شيء ما كدليل ملموس على أن هذه طريقتي المفضلة في التعامل مع الأزمات.

أستمر بالبكاء طوال اليوم بلا أسباب حقيقة غير أنه لا مساحة حقيقة للتفهم، وأود فقط أن أصرح بصوت مرتفع أنه هناك فرق شاسع وشعره غاية في الدقة بين تخطي الألم بهدوء وبين إهماله، كلاهما يتوقفان على الوقت ورفاهية التوقيتات المناسبة...وأقرر أخيرًا أن أحمل نفسي بعيدًا وأتوقف عن المحاولة؛ لأن الأسوأ من عدم المحاولة هو: "النفخ في قربة مخرومة".