8.9.17

مع خالص المحبة

Drawing by: Marianne Engedal

امبارح كنت حزينة، لسبب معرفوش، أكلت بيتزا لأول مرة من فترة؛ كان عندي فايرس في الكبد وأخدت شهر إجازة كامل من الشغل وكنت بالكاد بتحرك من السرير لحد الأسبوع اللي فات. 
طول الفترة دي كان نفسي في بيتزا...وأكلتها امبارح، كانت حلوة جدا، زي خيالي بالظبط، فكان مفروض أنبسط مش كده؟! لا، فضلت حزينة، والحزن قلب بالليل على غضب...روحي كانت في مناخيري ومكنتش قادرة أستحمل أي دراما.
نمت باعتبار إن ده اللي بنعمله لما اليوم بيقفل مننا فنصحى نبدأ واحد تاني بدماغ مليانة سيروتنين، يعني كان مفروض أصحى تمام، صح؟! لأ مش صح... 
صحيت الساعة 6 الصبح بتفرج من الشباك على أد ايه الجو حلو ألوان السما بديعة النهارده والعالم جميل جدا اللحظة دي. جميل جدا بس أنا مش جزء منه...
لاقيت على الموبايل رسالة من الولد اللي بيحبني إني كنت جميلة جدا امبارح...أحلى من العالم، وبدأت أعيط بهستيريا مينفعش نبدأ بيها اليوم...أي يوم.

ولما فكرت فيك وإنك متعرفش حاجة من اللي فوق ده حسيت إني حزينة أكتر...أكتر بكتير. بس نوعية الحزن اللي مينفعش نعترف بيه عشان منوجعش اللي قدامنا.

أنا كان في مخيلتي إني بحب الناس في المطلق، بس طلعت كمان بحب الناس اللي بحبهم يبادلوني الحب، ويبقوا موجودين ولو كل شهر مرة...كنت عاوزة أتعلم إزاي الناس بيحبوا لأجل الحب بس حتى دي أنت معلمتهاليش وسيبتني لايصة للأبدية وما بعدها... أنا متأكدة إن زعلي من الدنيا كان هيقل للرُبع لو اتعلمت دي بس!

إن جيت للحق ساعات بحس إني بزعل لأسباب تافهة وبعيط وأدبدب أكنها نهاية العالم، وبعدين بخبي وشي عن اللي حصل أكنه مش بيحصل واستنى أفوق من الكابوس.
مثلا من كام يوم كنت داخلة البلكونة اللي في البيت، بالصدفة لاقيت يمامة ساكنة التكعيبة اللي ماما معلقاها في السقف ومنزلة منها زرع صناعي...وكان واضح إنها عاملة عِش من بدري...
فكرت أجيب الكاميرا وأتشعبط أصورها، وفي وسط تفكيري لاقيت فرخ صغير عمره حوالي أسبوع...وفي أقل من ثانية وقع من العش اللي فوق على سيراميك البلكونة الحاد جدا ...مكنش بيتنفس ودفا جسمه كان بيقول إنه من أقل من ثانية واحدة بس كان عايش ودلوقتي مات!
معرفتش أعمل ايه ومام كانت في الشغل...وقتها سيبت كل حاجة في مكانها، نسيت التصوير واليمامة الكبيرة والعش والبلكونة والبيت والناس ونفسي...وعملت إني مشوفتش حاجة.

فضلت طول اليوم بحاول أتخلص من تأثير اللحظة بس مكنش عندي حاجة أقيس بيها مقدار الغيمة السودا ولا الإسقاط في حياتي عن الفرخ اللي وقع قدامي ومعرفتش أساعده ولا أتخلص منه فعملت نفسي مشوفتوش وجريت أنضف عشان التنضيف بيخليني أحس بحزن أقل في العادي...
الغيمة كبرت أوي، ملت دماغي بالكامل، وساعتها حسيت إني لوحدي ع الآخر.

دلوقتي برضه مش عارفة أقيس الغيمة السودا، ولا عارفة أنا عاوزة ايه من الهرتلة دي، كان نفسي تبقى موجود في كل اللي فات جايز زي ما كنت بتيجي ف بالي؟! يمكن...معرفش.

لمّا كنت بفكر من يومين، إيه اكتر حاجة فعلا هيبقى نفسي أعملها لو دخلت الجيش من باب الوداع المؤقت، أو جايز الطويل...الجواب كان الأغرب لمّا لاقيت إن نفسي أحضنك جدا، مش لأي سبب جسدي بحت، ومقصدش أحضان رومانسية على الإطلاق...فكرت ف ده وأنا عارفة إنه مش هيحصل، احنا الاتنين هنتكسف وهنضرب لخمة وهننسى كيفية فتح الدراع لاحتواء شخص آخر، واحنا الاتنين مش قريبين للدرجادي فعلياً يعني! فهزيت دماغي وطردت الفكرة.

وبعد فترة من الكلام اللي ملوش لازمة حاليا شعوري الغالب، هو إني ألغي مقابلتنا النهارده، أتخلص من إحساس الغُربة والغرابة قبل ما أشوفه بعيني، وأبطل دراما، وأمسح الجواب ده كله يمكن أمسح بالغلط الغيمة السودا اللي ساكنة دماغي من أول ثانية في اليوم.


5.9.2017