1.4.17

الشارع اللي جوايا



الليلة أستمر بقراءة المدونات المحفوظة في "البوكماركس" وأحسد الولد الذي استطاع حكي قصة عن ابراهيم أصلان.
في إحدى المرات مرّ أحد معجبيه بشارع "فضل الله عثمان" ووجده شارعا عاديا تماما...لم ير ما كتب عنه أصلان، فعاد لسؤاله عن الشارع، فأصلان رد عليه: "مش هتلاقي حاجة، عشان إحنا مش بنحكي عن الشارع اللي موجود، إحنا بنحكي عن الشارع اللي جوانا"..


أما أنا، فليس لدي حكايا..!
أصبحت شوارع قلبي مهجورة، لا يعبر بداخلها أحد... حتى أنا لا أزورها سوى مُجبرة، مثلما يحدث حين أسير في شوارع وسط البلد صباحا أمر بنفس الشوارع الجانبية الهادئة، اتنفس الطرق أحفظ شكل الإضاءة ألتقط صور بعيني المجردة وأنا أستمع لعلي الحجار يصدح ويهز جدران روحي ليوقظني "إزاي تكون أنت؟!!"..فأجيبه بالبرود ذاته في كل مرة: يا علي..لا أعلم مطلقا كيف أكون أنا ولم أعد أهتم يا عزيزي.

مؤخرا تأخذني شعلات حماس مباغتة يقتلها دوما قلة رغبة آخرين يصحبوني في الحياة، أو صحتي المتدهورة أغلب الوقت.
أتخيل الأمر كأننا كرفقة كنا نسير في خطوط مستقيمة محددة نعلم اتجاه سيرنا نحو المستعمرة، كالنمل، في هدوء ونظام، يتخلف البعض ويسبق البعض، لكن دوما كان هناك الخط المستقيم الذي قد نحيد عنه لكن إن وقفنا للنظر من أعلى سنراه بوضوح.
ثم  تفرقنا كالنمل مجددا حينما تحاول وضع اصبعك لمهاجمته، وأتجهنا في عوالم متفرقة للهروب من تلك الكماشة الغير متوقعة، فإن أردت أن تحتفظ بالشوارع داخلك عليك الاحتفاظ بالأشخاص الذين سلكوا الطريق معك ورسموه معك شجرة شجرة عمود نور عمود نور مطب مطب وحفرة حفرة، يتطلب ذلك جهدا إضافيا ...قدر عالي من الثبات وفهم الآخرين، شيئا ما ليجعلك ثقيلا كالمرساة  لتسحبك أنت والآخرين فتظلوا في مكان ثابت على متن قارب ربما كان مشروخا...وأنا لست مرساة، أحاول -بالكاد- أن أكون قاربا سليما.

"ازاي تكون البحر، وتكون شطوط غيرك؟"

أترى؟! أنا حتى لست شطا لأحد...

أذكر أكثر حديث حميمي مع صديق منذ شهر تقريبا عن العودة للمنزل دون العودة للمنزل ونحن بنكروز بعربيته حين اتفقنا على التالي : " ياستي احنا عمرنا ما بنروّح، عمرنا ما بنلاقي حد مستنينا يعملنا حاجة سخنة نقعد جنبه نحكيله اليوم بأدق أدق تفاصيله..عشان كده احنا عمرنا ما بنروّح...احنا صايعين في الشوارع".

أحاول الليلة العبث بذاكرتي التي سأتذكر بها الفترة الشوارعجية من حياتي، بأنها كانت أكتر فترة انجزت فيها أمورا شخصية، وتعلمت فيها عن نفسي وعما أجيده، الفترة التي كنت أقرأ فيها  بصوتي كتب أحبها يوميا لولد جميل للغاية كنت أتمنى لو شاركني في حياتي أكثر من الليل، وحصلت على شهادتين تقدير في أول شهرعمل، التقطت صورا جيدة وأحيانا مليئة بالحب، لم أفقد رؤيتي لجمال الأشياء، وتركت شوارعي المظلمة حتى يأتي أحد بالطاقة الدافئة في إحدى الليالي لنعيد اكتشافها سويا...ولم أفتقد أحد، ولم أشعر بالوحشة...ولم أكتب عن كل شيء سوى ما يوجع حقا.
ولم أتعلم الكذب أيضا بشكل جيد...لكني امتلكت الكثير من الأمل والمحبة والرضا والنضج لتخطي هذه الأيام...ربما لنعود للحكي عن الشوارع اللي جوانا الأحلى كثيرا من الشوارع الموجودة.