2.1.16

متلازمة حكي بعد منتصف الليل


البيت اللي عايشة فيه بيت عيلة...ماعدا الدور الأول والتاني
في الدور التاني ساكن أستاذ سيد اللي مراته اسمها طنط سيدة...وأستاذ فوزي اللي مراته اسمها طنط فوزية.
أستاذ سيد أغلب وقت فراغه كان بيقضيه في مسح عربيته النبيتي الشاهين كل يوم. بيشيل غطاها يمسحها ويسخنها وبعدين يرَجَّع غطاها تاني ونادرا ما بياخدها ف مشاوير.كان بيحب يزعق لنا لما بندبدب أو نعمل دوشة أوقات ما كنا بناخد الدروس في الشقة المهجورة فوقيه. ده غير إن أستاذ سيد الله يرحمه ابنه كوميديان مشهور نسبيًا بيطلع في أفلام ومسلسلات كتير الفترة دي.

أستاذ فوزي بقى راجل طيب ومسالم، عنده ابن وبنت وحفيد صغير...بابا قال لي ف مرة إنه كان شغال في السفارة حاجة كبيرة قبل ما يطلع معاش، بس حقيقي مش فاكرة.
لمّا طلعت الأسبوع اللي فات ولاقيت البيت منور بصورة مش طبيعية وباب شقة أستاذ فوزي مفتوح وناس لابسين أسود طالعين ورايا... فهمت إن قلبه التعبان مستحملوش أكتر وإنه مفيش أستاذ فوزي تاني. بالظبط بخفة وجوده، مشي.
قريتله الفاتحة في تضرع تام وحب للراجل اللي عمره ما زعل من شقاوتنا ولا من دق الكورة اللي كنا بنلعب بيها فوق دماغه لما بنتجمع في الشقة للي فوقيه بالظبط.

عيلتنا من ناحية بابا بتتمتع ب 3 أشخاص -دول اللي أعرفهم- عندهم ألزهايمر، من ضمنهم جدو سعيد، اللي شافني من شهر وكان فاكرني لسه في ثانوية عامة.. مزعلتش والله ع الأقل كان فاكرني!

"جدو سعيد مات النهارده". 
بحاول أرددها لنفسي بصوت عالي عشان أقتنع اني مش هشوفه تاني وأنا مش عارفة أحس بإيه ناحية الموضوع ده، يعني أنا مطفية وحاسة إني مش مستوعبة، وسَقَّطت الموضوع من بالي عشان أحاول أذاكر بس مقاومتش لما شوفت ماما دخلت من الباب وشها مخطوف وأنا بتكلم في التليفون وسيبت الموبايل ف لحظة من شكلها.

من كتر خوفي من الموت بقيت أكتب عنه كتير، أو بكتب عنهم هما بالذات عشان ميتنسوش...
كلنا عارفين الموت وكونه أمر طبيعي وسُنة حياة، بس محدش قال إن قوانين الكون كلها بنفس البساطة، يعني منقدرش نعتبره أمر طبيعي زي شروق الشمس، هو زي إن جزء من ذكرياتك هتبدأ تتبخر وشمس هتغرب بس مش هتشرق تاني، أو نجمة هتتحرق وتسيب مكانها بلاك هوول.

كارما كانت عندنا من شوية... لمّا شوفت أحمد أخويا شايلها وبيحكيلها في ودانها حاجة فبطلت عياط وقعد يهزر معاها فضحكت، نسيت كل الكلام عن الموت ده، وافتكرته بس دلوقتي فقلت أكتب لهم وأقرا الفاتحة لكل الناس اللي حبيتهم بسبب ناس بحبهم بالذات؛ زي بابا خلود ومامت هاني ومامت منى وياسمين وفؤاد ومصطفى متولي وعبد الرحمن ويحيى صاحب هند ورضا ورضوى... الناس دول طيبة وأرواحهم لسه موجودة فمينفعش بأي شكل يتنسوا. أو مش هيتنسوا النهارده ع الأقل.