وبقينا نحن هنا.. بالضبط كما تُركنا المرة الأخيرة،
على حافة هذا البحر المنسي، نحسب السنوات والوجوه والصور التي مرت
بكثير من الحزن ..والصبر.
...........
زي اليومين دول من 3 سنين، كنت قاعدة مع صحابي اللي اتعرفت عليهم أول ما دخلت الكلية - اللي مفروض هقابلهم نفسهم بكرة - وكنا بنحتفل بعيد ميلادي ...من 3 سنين، كنت 19 سنة.
كان عندي شوية نصاحة وتجارب أكبر مني، بحب الشغل والتنطيط في كل مكان، بخاف من نص الحاجات اللي أعرفها وعندي فضول للي معرفوش، وبَعِّد الأيام عشان أكبر وأبقى اتنين وعشرين سنة أد الولد الحليوة اللي بحبه، يعني أبقَى طُولُه كده وبرمي ضل ورايا على اللي بحبهم، أعرف أعدي الشارع لوحدي من غير ما اتشعبط ف شنطته، وأعرف أنام حتى وأنا زعلانة -عادي يعني- وأنا مصدقة إن بكرة هيطلع نهار أخف من النهارده.
............
ولأننا محملون بقدر كبير من الغباء,
لانرتاح إلا إذا كسرنا أجمل الأشياء فينا.
........
من سنتين زي اليومين دول..تيتة ماتت بعد ما جالها زهايمر، بعد ما نسيتني وفضلت فاكراهم كلهم، بعد ما اتحشرت جوا سؤال "اشمعنا أنا؟" وبعدين اتقمصت منها - أو من مرض مش بإيديها تتحكم فيه - ومرحتش العزا. في نفس التوقيت واحدة أعرفها من صحابي ماتت في المستشفى بعد ما حصلت لها حادثة مؤسفة ودخلت غيبوبة. وفي نفس اليوم أخو سارة صاحبتي مات بسرطان، كان سليم تماماً يدوبك عرف انه عنده ورم ومات الأسبوع اللي بعده. آه، والولد اللي بحبه كان بيروح وبييجي.
............
هل كان من الضروري أن نفترق
لندرك كم كنا ف حاجة لأن نبقى قليلا لنقول ما لم نستطع قوله؟
أو ما أخفقنا في قوله؟
..........
من سنة...صحابنا ماتوا أدام عيونا في الجامعة أو اتصابوا. لعنّا السياسة وبطلناها بس مبطلوش يموّتونا.
أكتر صاحب قرب مني في حياتي مبقاش صاحبي، أكتر صاحبة كنت مستعدة أموت عشانها مبقتش صاحبتي، أنا مشيت وهي مشيت. محدش فينا كان وحش أو عديم الإحساس. كنا بس تايهين ومحتاجين مراسى غير بعض، بس مفهمناش.. آه، والولد اللي حبيته مشي ورجع لي حد تاني فمشيت أنا.
..........
سُلوان:
طيب النفس بعد فراق الشيء والذهول عن ذكره .
.........
السنة دي.. أشتغلت. كنت فاكرة الفلوس هتحررني. محصلش. عمر قيودي ما كانت فلوس.
ركزت في الدراسة، حبيتها بشغف، بطلت أفكر في المستقبل، بقى عندي فوبيا أكبر من الامتحانات، اتعلمت أعمل حاجات بإيدي للي بحبهم، معدل خروجاتي لوحدي قلّت، ومبقتش حابة أوسع الدايرة اللي حواليا،سهرت بعيط لصاحبتي في التليفون وقمت عينيا مورمة ولبست أي لبس عشان أروح أي مشوار.. آه، وشوفت الولد اللي كنت بحبه مع بنت تانية بيحبها بعد شهرين بالظبط من آخر مرة شوفته فيها.
........
السُّلوَانُ : ماء كانوا يزعمون أَن العاشق إِذا شربه سَلا عن حبه.
والسُّلْوَانُ دواء يشربه الحزين فَيُسليهِ ويفرّحه .
.........
في نفس التلات سنين...حققت حلمي ووقفت على استيدج بعد ما غلبت خوفي. كنت بحكي الحدوتة بدَلَع وشايفة أمي فخورة بيا، صحابي - اللي طلعوا أكتر مما تخيلت - جابولي جرامافون اللي برضه كان من أحلامي، وعيطت لأول مرة من التأثر والفرح، رجعت ألعب تنس تاني.
عملت أول مايكرو بروسيسور ف حياتي ، غنيت مع اتنين صحابي في الزمالك الساعة 10 بالليل بصوت عالي. رسمت على الحيطة وعملت دريم كاتشرز، جبت فساتين وشنط وجزم عليها ورد، بدأت ف كتاب، اتعلمت السواقة، وكبرت دايرة معارفي حتى بدون ما أقصد، رحت حفلات أم كلثوم وركبت مع سواق تاكسي مرضيش يدفعني فلوس، وآه... مبقتش أتضايق من الحقايق القاسية وبتقبلها بعد وقت أقل.
............
السُلُوًّان ..
ما يُذهب الهمَّ والحزنَ.
............
السنين اللي فاتت كانت وقعاتها أغبى وأشد وطأة من 10 سنين عِجاف، تقريبا كل اللي كنت بعمله هو محاولة حماية نفسي من هلاك مُحتم، بس كل ده عدى ومش عارفة أنا حميتها فعلا ولّا كنت هبلة ومكنش فيه داعي للحماية من الأول!
الـ 22 شكلها داخلة على مفاجأة، جايالي وأنا حرة تماما مش واقعة في حب شخص بعينه - على حد وعيي الحالي وعدم الإفصاح - بس واقعة في حب عالم كامل وناس كتير عرفتهم متأخر بيعملوا كل حاجة عشان بس يلاقوني داخلة عليهم بالليل بقولهم إني مبسوطة النهارده...وشايفين إني استحق ده بكل طيب خاطر. وأنا شايفة إني كمان استحق.
الكلمة الوحيدة اللي ممكن تعبر عن السعادة الخالصة اللي حساها اليومين دول، والمفاجآت اللي بتتعمل عشاني، والأحسن من ده كله إني بطلت أخاف واستخبى ولعلي استمر في كده.. الـ 22 جات لي بمعنى شامل لكلمة "السُلوان"، وغالبا مكنتش محتاجة أكتر منه.
ونقول من تاني ايم كومبليتلي ذا هابييست/لاكييست جيرل إن ذا وورلد.
like nothing in the world could hurt me...like i was never hurt before.
كل سنة وأنا بحلوّ وببقى شبهي.
...........
الصورة من أول هدية جات لي امبارح معمولة مخصوص مع كتاب عليه اسمي.
المقتبسات لـ واسيني الأعرج.
التعريفات من قاموس المعاني.
