28.6.15

وآدي اللي كان




لم تكن هذه أكثر لحظاتي بلاغة على المسرح بكل تأكيد.. كما أنني لم أتعمد أيضًا الإساءة لأي شخص، تلك الأمور تحدث بشكل تلقائي، كأن تستيقظ من النوم لتجد حلمك مستوجب النفاذ في الواقع، لم يكن حلما بالمعنى الحرفي كان كابوسًا، يسحب غصة من الألم تضرب أقوى الأعصاب المتصلة بالمخ مزلزلة النخاع الشوكي في طريقها...تلك الأمور تحدث..تعلم! هكذا...
فأنا لم أكن أقصد أن أتوقف في منتصف الطريق تماما "قبل المطب" أمام محطة مصر وأبكي لأن أحد السائقين نعتني بـالـ "غشيمة" ..حسنا أنا لست جيدة كسائقة بَعد ولا أزال غشيمة في تقدير المسافات هذه حقيقة.
لم أكن أقصد أن أقف في آخر الجملة لأنسى ما كنت أتحدث بشأنه وتتسع عيني فتضحك صديقاتي ويسقط حجر عملاق داخلي لأنني -يا حوستي! ياختييييي!- ضللت الطريق للموضوع تماما..
ولم أكن أقصد أن أتسبب في تعاسة الفتى الذي أحبني ولم أحبه، لم أكن أيضا أقصد أن أتسبب في كآبتي المتكررة، أو تجنب جميع الأشخاص دون مراعاة وجودهم، وربما لاختفيت من العالم لولا جذب أصدقائي لي قبل وقوعي في ثقبي الأسود.
لم أكن أقصد أن أخبره في نهاية المكالمة "هو أنا لو مكنتش كلمتك، كنت هتتصل؟" وأكتم صوتًا مشبعًا بالبكاء.
لم أكن أقصد - أبدا والله - ولكن عندما أكون حزينة ومحبطة، أميل للرجوع إلى الحقائق الكريهة والاعتراف بها أمام نفسي ثم مداراة الهشاشة عن الجميع والاختفاء؛ أظنني أُصبح أفضل كثيرا في تلك الأمور المُتعلقة بتجاوز الأحداث السيئة وحدي دون الإثقال على الفتى أو الصديقتان أو أمي أو من يلاحظني باستمرار.

..........


أكتب حينما أكون سعيدة، سعيدة للغاية، تنطلق التعبيرات بسلاسة سقوط الأمطار وتبدو جميع الأشياء بسيطة، أبسط كثيرا من الواقع..
وحينما أكون وحيدة بعد منتصف الليل..أكتُب. حينما يرحل صديق أو حبيب، أكتب لأضمد جراحي وأدفنهم عوضا عن مراقبة الكُرسي الذي اعتادوا الجلوس عليه يفقد دفئه تدريجيا، أكتب حينما أقع في الحب، وأنا واقعة في الحب بشكل سري دائم، حينما لا أرغب بالحديث ويثقلني الكلام، حين أود إضفاء تعديل على سيناريو واقعي تم بالفعل ولم أتفاعل بأفضل طريقة، أكتب قبل أن أُتم الثانية والعشرون وبعد أن أستيقظ من حلم سيء، كذلك حين أصاب بحالة من الاوفر ثينكنج في منتصف يوم حافل، أكتب في المترو في سلم البيت في الكلية في أي مكان لا يراني فيه أحد...أعتقد أنني أكتب أكثر مما ينبغي وأردد الكلمات مرارا لأنني أستنفذ مخزوني أول بأول وأتوقف عن الافصاح.

أبتعد عنها حينما يقرأ أحدهم ويصمم على إهدائي رأي لا أهتم به في المطلق لتحسين وضعي، حينما يقررون أن حياتي مشاع لاستغلال كلماتي ضدي أو ينتظرون مني ومنها شيئًا لن يأتي!..
أبتعد حينما أشعر بفائض في المشاعر أخشى مواجهته...لأتجنب استمرار تذكُر ما أخشى نسيانه.

أكثر ما كتبته قربًا لروحي لم أنشره. بكيت ربما وأنا أكتبه، أو كنت في قمة إجهادي الجسدي..لا أعلم بالتحديد، في الأغلب كنت تحت تأثير مهديء، وفي تلك اللحظة أشعر بالامتنان الشديد وبالضعف، بالامتنان لأنني منذ دقائق كنت أصرخ، والآن لا أشعر بشيء، وبالضعف لأنني أخشى أن أكون وحيدة حينما أمر بنوبة مرض أو أسوأ !
أو هو ربما ما كتبته عن أمي وإدماني لها التي لا تدركه، ربما عن مواجهة الخوف الذي سأورثه لأطفالي إن جاءوا للحياة ، أو ربما حالة التداعي التي مرت بي وقت الرحيل، أو اضطرابي وقت العودة...لا أتذكر يختلف الإحساس بما نكتب بمرور الوقت.

أعلم وحسب أنني لا أشارك الآخرين تلك القصاصات، لأنها أصدق من أن أرويها، ولأنني أخشى الانكشاف كما ذكرت...ولأنني ربما لا أعرف كيف أكتب عنها ببراعة، وقد أكون شعرت بها أكثر مما كتبت. لن تعني أحدا سواي في كل الأحوال.

إجابة لسؤال أحمد يحيى عن الكتابة
 ...........


ساعات بتخيل الدعوات -لربنا يعني- عاملة زي مرض السُكر، فيه دكتور حاول يفسرلي المرض ده وأنا صغيرة وقال لي إن جسم الإنسان مكتوب له عدد معين من معالق السُكر لو خلصهم بدري في حياته، هيبقى كده مُعرض للمرض ده ولازم أي معلقة سكر ياخدها بعد كده يتحاسب عليها بالإنسولين اللي بياخده...مش عارفة الكلام ده مظبوط ولا لأ ومش مهتمة اوي بصراحة أفهم التفاصيل المهم إن التخيل ده ثابت ف ذهني من زمان.

والمثل ده أقرب فكرة من اللي عاوزة أقوله. بتخيل دايمًا إن عندي عدد دعوات معين لازم أحافظ عليهم عشان يبقى ليهم قيمة، وميتوزعوش كده من غير أهداف ولا للي يسوى واللي ميسواش!..صحيح دايمًا بدعي للناس دعوات عامة مش محددة على أساس إنها مش بتتحسب من رصيدي، وأعتقد إني بدعي لنفسي قليل جدًا برضه دعوات خاصة وأنانية ومبتتحققش ف مجملها بس ربنا بيكرمني بحاجات تبدو ألطف بكتير على المدى البعيد.

لما كنت متضايقة سيكا وبهرب وأحمد كلمني وحكيتله فقال لي إنه حاسس باللي بقوله بالظبط، كان بوِدي أقوله دي مش حقيقة، جايز يكون فكر ف نفس الإحساس بس الأمور موصلتش معاه أكيد إنه يتمنى الموت لحد بشكل فعلي، وبعدين يراجع نفسه ويستعيذ بالله كده، فيلاقي إن لسه رغبته مقلتش في الموت. 
صحيح مدعيتش على حد بالموت ولا عمري هعملها.. بس لو الدعوات بالنوايا، فنيتي مش صافية و مش حاسة بالذنب ومتصالحة مع ده.
بقيت معتقدة مؤخرا برضه إن المفروض الديفولت بتاعنا كبشر إن اللي يئذينا منصالحوش في المقابل، العدل البشري بيقول كده، إننا لازم ناخد رد فعل تجاه الطرف اللي أدامنا فيتراجع عن الأذى. وإن كوننا طيبين وبنرد الإساءة بالحسنى ده تفضُل مننا، ومساهمة عشان العالم يبقى مسالم أكتر، مش عشان ده الواجب يعني لو شيلنا التعاليم الدينية من المعادلة.
وبكده بكتشف إني فعلا مش مصدقة الكلام ده في أعماقي وبتحول في النهاية لشخص جبان عاوز يقعد جوا الفقاعة البينك بتاعته ويعزل نفسه عن العالم وميواسيش غير اللي قلبه يقوله إنهم محتاجين مواساة.

انا مش عارفة ازاي هنزل اشوف صحابي، وبفكر في الدقيقة الواحدة 10 مرات أفكس لهم وأكلم شخص بعينه نروح ناكل تشوكليت كيك ونصلح المتكسر ونضحك...أنا نفسي أضحك أوي من حاجة تانية غير القهر وكسرة النفس، ومن غير ما حاجة من جوا كده تقول لي فيه حاجة ناقصة...

احنا غلابة اوي والله يارب... غلابة اوي وطيبين، اجبر بخاطرنا ومتكسرناش...واكفينا شر الحُزن وولاد الكلب وتوهان الكلام.