أنا فاكرة كل حاجة بالظبط .

جدو كان تعبان جسديًا، مش فاكرة تشخيص المرض بالظبط ومتأكدة إني مكنتش هفهمه لو حد قال لي وقتها... لمّا جالنا خبر موته كنت واقفه بعمل أكل...معيطتش، محضنتش ماما، البانيه متحرقش، والمكرونة معجنتش، مأكلناش ومرحتش العزا ولا لبست أسود.

اليوم اللي قبليه كنت عنده في المستشفى في العناية المركزة.. لبست كيس بلاستيك لونه أزرق فوق الشوز وحطيت معقم موجود على الباب وقالولي مقربش منه اوي... لما قربت ليه مسكت ايده ، فضلت فترة بستوعب رِقة جلده وعروقه النافرة وحسيت بوجع من الخروم اللي موجودة نتيجة الحُقن والكانيولا اللي مفارقتوش آخر فترة...خالتو قالت لي إنه بيسمعنا كويس وإني ممكن أقول له أي حاجة نفسي أقولها وإن عقله بيستجيب عادي!

قربت من ودانه وقلتله تاني اسوأ حاجة ممكن تتقال لحد بعد "بكرهك"..وخرجت قلبي مكسور من اللي قلتهوله ومعيطتش.

آخر مرة عيطت فاكراها كويس... كنا في العيد الصُغير... كنت لابسة الجيبة السودا المليانة فراشات وطولها عند رُكبتي على البلوزة الصفرا وسايبة شعري .

قربنا منه عشان نقول له كل سنة وهو طيب...ابتسم لأخويا وماما بس معرفنيش..! قالولي إن المرض وصل لذاكرته وإنه "معلش" وحاولوا يفسروا لي الموضوع بشكل علمي فقالوا إن لمّا نسبة الـ(مش عارفة ايه) بتزيد في الجسم الشخص بينسى غصب عنه...فضلت ساكتة طول السِكة وروّحت استخبيت وانفجرت في العياط لمدة أطول من ذكرها.

كنت عارفة يعني ايه موت عشان فقدت ناس كتير بحبهم وانا صغيرة، بس كنت متأكدة المرة دي إن المرض ده أسوأ..اسوأ من أي حاجة.. هيخليك تنسى اللي كنت بتحبهم أو هما هينسوك وهينسوا المرات اللي قعدتوا فيها على السرير تسمّعوا قرآن أو تحكوا حكاية، أو يلزقولكوا بلاستر لما تقعوا فوق رُكبتكوا، أو يجيبوا لكم حقكوا لما الدنيا تجور عليكوا.

كنت قاعدة النهاردة في العزا بفكر اني مش محتاجة اكتر من حد كبير.. كبير اوي وبيحبني زي ما انا.. فاهم اني مش قاسية ولا عيّلة ساذجة ولا بالقِوة اللي بيفتكروني عليها... حد كبير عارف اني هصمد يوم ورا التاني ورا التاني وهستخبي من الناس كلهم بالليل فاتوضا بالتوهة واصلي لربنا وانام من كتر العياط واقوم عينيا مورمة تاني يوم...حد مؤمن بيا وبقدراتي السحرية وجناحاتي المستخبية في الدولاب.. وعاوزاه كبير عشان بس يقدر يفهمني ازاي امسك ف الخيوط الاخرانية من الكوفية اللي بتكُر غصب عني فبلاقيني واقفة في نُص الهاي واي بالظبط مش عارفة آخد خطوة لا قُدام ولا ورا.