5.8.14

كل أمّا أتوه يكون دليلي..سكتك


"في كل فنجان قهوة بلمح.. ضحكتك
كل أما أتوه.. يكون دليلي
سكتك "

تحسنت الأمور مُذ خذلتني وأتيت مجدداً لتطل على قلبي بالقليل من الاهتمام.. تصاحبني في "كوباية البرتقان" وقت الإفطار، في المقاهي التي لما تطأها قدمانا سوياً بعد، في المشاوير التي أكره القيام بها وأضطر لذلك، أذكرك فابتسم للحكايا التي من الممكن أن أقصها عليك.
آخذك معي في البلاد التي خططت لزيارتها.. سنبدأ بباريس تماماً من نقطة الصفر أمام كنيسة نوتردام.. سأقص عليك أسطورة الجارجوريل المستخدمة في معمار الكنيسة رغم اعتقادهم بانها وحوش شيطانية..وأقف امام الحجر الذي يقيسون منه المسافات وأبدأ بعد خطواتي " أنا خدت خطوة يمين..يعني باريس على شمالي دلوقتي على بعد خطوة".. سنمر بالمقاطعات العشرين المتخذة شكلاً حلزونيًا في اتجاه عقارب الساعة.. سنرتاد المترو ونضيع الطريق من كثرة الخطوط ونجلس بالقرب من أحد المتسولين عازفي الكمان، ستعترض على تعبير متسول وستُفضل فنان ، ستهدأ حدتنا ثم نجلس لنستمع في صمت للموسيقي مستمتعين بالخيبات والتوهة
يبدو ذلك ممتعاً بشكل ما.. ممتعاً بالحد الذي يجعل أحلامك تُكمل أحلام شخصٍ آخر فتتحدث بشغف ، ممتعاً أن تجد أحدهم يذكُرك في منتصف يومه ويأخذ قطعة منك لترى ما يراه وتعود مجدداً.. ثم يأتي بحلم يقظة ليربت فوق كتفك ويطمئنك.. تبدو الحياة أقل قسوة وأبدو أكثر حظاً وامتلاكاً لبهجات جديدة.. فابتسم مجدداً لسائق السيارة المجاورة، لعامل المترو وحتى لمُحصل الكهرباء حين يأتي وقت انقطاع التيار.
  
Come, let us have some tea and continue to talk about happy things.


...............


أفكر أن أكتبها بأوراق صغيرة.. أقطعها وألقيها من النافذة فيرسلها الهواء إلى أعلى..ليست طريقة مهذبة لطلب أمر بهذا القدر من الأهمية.
أُرددها في سكوني، أضع يدي فوق قلبي وأغمض عيني بقوة.. أريدها أن تصل لأبواب السماء مباشرة..
يأتيني هاتف منه وقت نزول المطر، فنتحايل على الواقع ونتخيل أن "السما مفتوحة عنده" فأدعو من الطرف الآخر للسماعة فتصل لجانبه ثم إلى أبواب السماء المفتوحة..
وأدعو "ربنا يكفيك شر الوحدة" 

أتذكر الكائنات الأكثر وحدة في العالم..هنالك نوع من الحيتان استحق اللقب عن جدارة..على عكس كل الحيتان هذا النوع لا يمتلك أحبة أو أصدقاء من فصائل أخرى، ولا ينتمي لمجوعة أو عائلة محددة، باختصار ليس لديها ما تنتمي إليه سوى المحيط..
ورغم أنها تتغنى بنداءات تستمر لمدة ست أو خمس ثواني ، فلا تستطيع إيجاد قرناء لأن صوتها متفرد. أغلب الحيتان تتواصل بتترددات تتراوح بين 12 إلى 25 هرتز.. بينما هي تغني عند 52 هرتز.. وهنا تكمن المشكلة، في تفرد صوتها حيث أن باقي الحيتان لا تستطيع سماعها وكل نداءاتها لا صدى لها،حتى بكائها يتجاهله المخلوقات الأخرى..

أفكر أحياناً أنني سأخرج من باب المنزل يوماً لأجد أحدهم مصاب/عاجز يطلب المساعدة فلا أستطيع مساعدته، سأحاول أن أصرخ لطلب العون فتتحول أحبالي الصوتية لأحبال من المارشملو فلا تهتز أحبالي بما يكفي ليصدر مني صوت خارجي ، فأبكِ مرتين لأنني لا أعلم كيف أساعده أو أساعدني.
سأتحول لحوتاً يوماً ما.. وهذا ما أخشاه عليه، أن تطاله الوحدة دون أن يشعر أحد ويالفه بالونس فأغمض عيني بشدة تفوق المرة الأولى وأردد " يارب ونِّس قلبه".. 

......................


مش عاوزة أموت عجوزة بائسة بعاني من كل أمراض الدنيا
عاوزة أموت وأنا قايلة لكل اللي بحبهم ميزعلوش مني ولا عليا.. بالظبط بعد ما اخلص الآيس كريم بتاعي من باسكن روبنز، وأجيب المايوه الأزرق اللي نفسي فيه.
واروح للولد اللي بحبه أقول له إني بحبه أكتر من أي حد في حياتي، وأعترف له إني كنت بحبه ساعات حتى أكتر من نفسي.
عاوزة الناس يعملولي حفلة تأبين صغيرة ع البحر يتجمعوا ويحكوا ويحبوا بعض.. يملوا مكاني حُب وإن كان لسه باقي مكان فاضي ممكن يزرعوا في جناينهم ياسمين وقصص خيالية وفراشات بتنور في السقف ونجوم.. كتير يارب.
خليهم يحكوا عن البنت اللي كانت بتخاف تقرب، واللي فهمت حاجات كتير، وحاجات تانية عقلها بقى صغير فيها ومقدرتش تستوعبها
كانت بتحلم بـ بيت صغير وولاد كتير وحب ودفا بريحة كيكة الشوكولا..وزُهد في الحزن وزُهد في شيل أحمال مش بتاعتها

بس جايز تكون ملحقِتش... 

...............


l tell you what she was like. She was like a piano in a country where everyone has had their hands cut off.
—   Angela Carter

..............


لستُ جيدة دوماً في صناعة البهجة..
الصديق الذي يعلم أكثر مما ينبغي لأنه يدرك من صوتي متى يباغتني الاحتياج للطبطبة..الذي يزعم أن الضوء المصاحب لعيني وقت الحزن يبدو أكثر تميزاً عن راء المعتادة..ليس سيئاً بالمرة، كفاني علماً أن اصابتي بالاكتئاب، ارتدائي ملابس لا تتوافق وانعدام الرغبة في ارتداء العدسات اللاصقة، سيجعلني جميلة في نظر أحدهم فقط على الأقل.

يوماً أخبرتني عن الألم.. إن أردنا أن نسبب الأذى أضعافاً مضاعفة لأحدهم فسنخبرهم بما يمكننا أن نفعله بهم قبل فعله.. فمثلاً إن كنت ستُغرق أحدهم حتى الموت.. فستبدأ بوصف إحساس اللحظات الأولى من خوف انقطاع الهواء الموجود داخل الرئة.. ثم تبدأ بوصف شعور الانقباض والاختناق بالتدريج ثم ما يصيب الشخص من الرغبة في الهرب من الموت مع عدم استطاعته.. فاستسلامه أخيراً.

أحلامي المتكررة هذه الأيام تسبب الأذى بصورة مشابهة.. الأحلام الملطخة برحيل الذين رحلوا مسبقاً فتتعايش مجدداً مع أعراض الانسحاب عند استيقاظك.. لن أكذب إن أخبرتك بأنني أبالغ في مواجهة صعوبات التخطي، أشعر أياماً بأنني أفضل ما يرام، وأياماً أخرى تتسع الفجوة لتبتلعني كما تبتلع الأشياء السعيدة فأصبح  عاجزة عن صناعة البهجة، لا أستطيع وقتها أن أكتب عن البالونات والضحك والأصدقاء والموسيقى، لا أستطيع أن أقُض سوى حكايا الألم فأنطوي بعيداً هرباً من أعين المتلصصين.
أو كما أفعل حالياً .. أرتكب فعلاً أحمقاً بإبعاد كل من يمكنهم مداواتي، حتى يسأموا ركضي فيتوقفوا عن المحاولة ويستسلموا للموت.
ربما أرغب بأن يحاول أحدهم لأجلي.. ربما قليلاً 
كل ما أعلمه أنني لا أعلم ما أرغب به معنوياً، أتمنى أن تتوقف الأحلام السيئة وأن يرحل الراحلون حقاً ، أتمنى أن أقضي المزيد من الوقت أحيك كوفيات من البهجة للقضاء على ليالي الآخرين السيئة.

يمكنني أن أخبرك يا صديقي أنني أمتلك طاقة حب كافية لإمداد نصف الكوكب بالكهرباء.. وحينما تعلَقْ تلك الطاقة في المنتصف تصيبني لعنة ما .. فاستيقظ مُصادفة لأجد رسالة منك ، من هند، من شيماء ، خلود أو من بسمة.. ليس بالضرورة أن أذكُر أي محتوى من تلك الرسائل فقط أشعر بالونس وبالطبطبة الغير متوقعة.. فأشعر بامتنان لأن الكوابيس لم تستمر أكثر.