23.1.13

شرطة مايلة...فراغ


إليك/

لا أعلم لم تلم بي تلك الرغبة لكتابة الرسائل من أجلك وكأنك ستقرأها في بعدٍ زمنيّ آخر ، وكأنني أتمنى لو أنك تشاهدني الآن وأنا  أصارع البرد وأستمع لموسيقى محببة مراراً وتكراراً ، كأنني لا أمل ، ثم أتوقف لأدون سطر أو كلمة وأميل برأسي قليلاً ثم أتنهد بأسى لا أعلم مصدره..
أكتب إليك لأن الإيمان بأن أحدهم ينظر إلينا يهدينا القوة في السير الخطوة تلو الأخرى في تلك المهمة الشاقة لبناء حياتنا الخاصة ، نحتاج دوماً من ينظر نحونا طوال الوقت فإننا لا ننتهي من بناء أنفسنا..

وأكتب إليك لأنني أفتقدك ، طوال الوقت ، ولأنني سئمت من إخفائي بين السطور ، أعلم أنك ستراني تماماً كما أنا ، دعوت الله بذلك ، أن تتحمل التناقضات أو التصرفات الصغيرة والغير مبررة في كثير من الأوقات ، وستجعلك تزداد تمسكاً وتفهماً.. 
أكتب كما كتبت مي زيادة لجبران تسعة عشر عاماً من الرسائل دون أن تقابله يوماً ، أحبته ولم تكن لتستطيع اخباره لو كان أمامها كما فعلت في رسائلها ، وأُقر إليك أنني قد أستمر في الكتابة إليك لتسعة قرون ، فقط إن اتسع عمري ، ولن أتوقف حتى تأتِ معلناً نهاية عصر الاختباء في الأوراق وبين السطور ..لستُ مثلها لا أخشى الحُب ،هو الشعور الوحيد الذي يستحق الحياة من أجله وبه ، لكني مثلُها أسعى للكمال وأريد الكثير والكثير من كل شيء ، لا يكفيني القليل هنا، معذرة لشعوري أنني أستحق ذلك فقد أنتظرت طويلاً..
كما أكتب لأنني سئمت الخوف، من كل شيء من الوحدة والفراغ والعُزلة والكذب والعبث والألم ، سأحدثك عن الألم فأنت الأجدر بالاستماع إليه، أنت الأجدر لترك كل أقنعة القوة والبكاء تهوى أمامك بلا خجل وإيقاف دموعي حين تخبرني بذلك ، أنت الأجدر بالحزن لأنك القادر على جلب السعادة في كل يوم أجدني تحت القاع ..

من أين أبدأ؟ أتعلم ..كل شيء يؤلم هنا ، الضوضاء ، العتمة ، صوت دقات أصابعي لوحة المفاتيح ، رنين الساعة المتواصل ، أما الأكثر إيلاماً اليوم هو الوطن. لأحدثك عن الوطن الذي نحيا به ، هو أكبر المآسي هاهنا ، هو سبب رغبتي في الرحيل وعجزي عنه في الوقت ذاته..أحياناً ألعن الانتماء آلاف المرات الذي يجعلني أحب ما ينبغي كرهه. إن كان حب الوطن من الإيمان فأظنني كفرت من فرط الوجع اليوم منذ شهور بالأحرى..كفرت وأجبرت نفسي عن اللجوء للانسلاخ عن الواقع ، لا أتحدث عنه ولا أتناقش ، سئمت ما يحدث فيه ومنه..فاختبئت وأغمضت عيني.


أما عن الأوطان الصغيرة الذين يسكنوك وتسكنهم فهم أيضاً يبدعون في الخذلان ويحطمون ثقتي اليوم تلو الآخر حتى تحولت لذلك الكائن الانطوائي من جديد..

تتساءل حين تفكر بهم ، هل تمر ببالهم الآن ؟ حينها تتذكر مئات المرات التي لم يتواجدوا فيها لأجلك ،فتغض الطرف عن السؤال وتكتم غصة جديدة في حلقك..وتفتعل ابتسامة كأنك لا تهتم وكأنك تتقبل الوضع .ثم لا تفعل شيئاً أكثر من ذلك.

أتعلم ما المشكلة ..لا يكفي أن تشعر بأنك جيد من الداخل دون أن تقدم للآخرين شيئاً ، أحب بذل كل طاقتي في مساعدة الآخرين ثم أخذلني لأنني لم أهتم بنفسي كما ينبغي..حتى أنا تمرست في الخذلان واعتدت هذا الفعل البغيض ، كانت فترة سيئة التي مضت برغم نجاحاتها ولم أعترف بفشلي سوى منذ عدة أيام ..لهذا فلأعترف انشغلت بالسعادة ومساعدة الآخرين لأنظر للصورة الأكبر ، وتنازلت عن مبادئ معللة بأنني "مبسوطة كده" ، لكني لم أشعر بالراحة ، وكأنني أفقدني ، وكأن تدهور حالتي الدراسية أمراً أيقظني بأنني هنا وأحتاج الرعاية لأنه لا أحد يدفعك لتحقيق حلمك سواك..
هذا دون ذكر أنني أفتقدك هنا (أكررها)..أفتقدك وحسب ولا أعلم هل عندما تصلُك رسائلي يوماً سترى أنها محض عبث لمُرَاهقة في منتصف العِقد الخامس أم ستتفهمني هنا..

أنا فقط أود الإيمان بأنك في مكان ما بالخارج رغم كُفري بالكثير من عبث الأحلام في هذه اللحظة..أخبرني أنك موجود وأنا كما تعلم أؤمن بالإشارات المتتالية.. وأحاول بكل طاقتي الاستمرار في الإيمان .. بك


من/
 راء