31.7.12

وإن الصغار..صلاتهم لا ترد


نتمسك بالايمان رغم عدم منطقيته وعدم رؤية الحقائق المتعلقة به...نقف كبشر أمام الاختيارين ، إما الإيمان المطلق بلا بحث ، والتصديق المجرد لأنه يريح قلوبنا ، يشعرنا بأننا على صواب


أو الركض خلف كل ما يمكننا الركض خلفه ، السؤال ، الحيرة ، الشك ، إلى أن نصل لليقين
نختلف في عقائدنا ويبقى الإيمان واحد...وسيلة للنجاة


فوق أرض الإسكندرية أخطو الخطوة فوق خطوتك..أبحث عما كنت تبحث عنه..أتأمل واجهات زجاجية كانت مبهرة يوماً ما تم استبدالها بالأخشاب أو الصفيح .لست أدرِ ما العمل..لما كنت تُحب هذا الخراب الحادث في المكان،


يسير القليل في هذا الوقت..وأهيم أنا حيث الكثير منك ومن أثرك هنا...استرجع آلاف اللقطات في عقلي عن يدي الصغيرة ممسكة بيديك الكبيرة تخشي فقدك وسط الزحام .
كنت تسير مؤمناً ،وأنا أؤمن ، أؤمن بك أؤمن معك وفوق ذلك أؤمن بالخالق...سِرنا هكذا حتى أحتضنك الله وتركتني وحيدة أتمسك بالخيط الرفيع المتبقي من إيماني بالحياة


اليوم أسير في الاسكندرية بعد صلاة الفجر..بدونك..يقولون هنا لا تكون وحيداً أبداً ففي كل خطوة سار أحد العظماء ، هيباتيا الفيلسوفة ، الاسكندر ، ملوك ومحاربين ، عُباد ومؤمنين
لا يهمني أين خطواتهم فالتراب يلامس بعضه البعض ويتناقل الأثر فيما بينه جئت خلف خطواتك أنت
أتساءل للحظة ماذا لو ينتقل الإيمان في الجو أيضاً ،كفيروس بين الناس..ليحييهم


يعاودني الإيمان...فاتساءل ما الايمان؟ ولماذا نؤمن؟ يحاصرني الشك..
فاقطعه باليقين...العالم ليس بتلك العشوائية ،ليس محض مصادفات اجتمعت معاً فخُلقنا
لابد من إله..من مصدر لكل ما يحدث لنا.. أتوقف أمام البحر وموجه يضرب الصخور بقوة وأردع عقلي عن الدخول في متاهات لا قبل له بها
عبث ،عبث ،كل هذا الفكر عبث
الله واحد...


أتأمل السماء مع الخيط الأول للشمس أمامي واسترجع كلماتي منذ عشر سنوات الموجهة إليك،
يومها سألتُك :


 أين الله بالتحديد؟ 
وأخذتُ أنظر نحو السماء...
نظرت نحوي مبتسماً بسخرية ، فانتبهت إليك لأجدك تشير بسبابتك تجاه صَدري...:
هو بداخلك وحولك ومعكِ كلما دق قلبك...

أنظر إلى عينيه فتنتقل ثقته إلى قلبي ..الله بداخلي الله واحد


أعود للحظة الحالية أمام البحر
أهدأ قليلاً وأغمض عيني لوهلة...تشرق الشمس على قلبي رويداً رويدا


أكبُر قليلاً ،ازداد فضولاً، وأسألك من جديد: لماذا لم تؤمن هيباتيا كحال الكثيرين في زمنها ؟


أجبتني باقناع : الفلاسفة لديهم ما يكفي من العلم ليكونوا علماء وليسوا عليمين ،هيباتيا اخترعت الاسطرلاب ورسمت الأجرام السماوية ...ولم تصل برغم كل ما وصلت له إلى أنه هناك خالق للكون،
لأن ما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود
نقدت الايمان المجرد ولم تحيا لتصل للايمان الواثق


استفسرت بدهاء طفولي : وماذا عنك..هل وصلت له أنت أيضاً؟
ابتسمت لي يومها...ولم تجبني


أصوات الموج ترتفع...وصوت عقلي لا يخمد أو يلين أمامها
أتنفس بتثاقل وتحملني قدمي بالكاد..
لا أذكر كم كان عمري حينما سألتك  : أخبرني ماذا يحدث إذا متُ اليوم ؟
وأجبت : حسناً تعلمين ..هناك الحساب أولاً ، وإن كنتِ من الأخيار فالجنة تنتظرك حيث لا مزيد من الأسئلة والحيرة والصخب ولا المزيد من الألم .


وكيف تعلم أنني من الأخيار؟

أعلم لأنك تسألين كثيراً...تبحثين عن الله...وستصلين إليه أخيراً
إيمانك كالدائرة...نقطة البداية هي نقطة النهاية..لا بأس بالحيرة أحياناً




لم أفهم ولست أفهم اليوم...أفتح عينيّ ، أنظر إلى البحر ولا أراه حقاً...لو أن كوب المياه النقي يمكنني رؤية تأثيره في البحر المتسع...لكنت عرفت ماذا قصدت يومها ،أعذرني لم أكن يوماً بحكمتك لأفهم


أفكر في صمت...سيكون المشهد الآن أكثر واقعية إن حدثت معجزة ما لتأكيد إيماني؟ هل حقاً احتاجها؟
وأنا أعلم الله...وأستشعره بداخلي...تمام استشعاري أنك لم تكذب عليّ يوماً
لكن عبثية الموقف تحتم عليّ الإصغاء إلى المعجزات الصغيرة
 شمس تضيء .. بحر ..أرض..وحِكم كونية بمقدار


يجول بخاطري التساؤلات ذاتها ...:
هل تسكن أنت الجنة اليوم ،كما سكنتك هي في الحياة؟
هل سألحق بك يوماً هناك؟
هل لا تزال معي؟
أيأس من الإجابة فأرددها بيقين مشابه ليقينك : الله واحد ، الله بداخلي
.
.
.