20.5.11

يومٌ رائعٌ للموت



اليوم استيقظت مستشعرة شعوراً مختلفاً..أو ربما ظننت هذا.
استيقظت مبكراً تماماً قبل شروق الشمس وتحسست يدي الطريق إلى (الكومودينو) بجواري لإمساك عويناتي فلم أجدها.
لم أشعر بضيق..ولماذا سأحتاجها على كل حال ليس نظري بهذا السوء
ظللت في سريري أتذكر الحلم الذي رأيته ..كانت الحجرة نفسها وكنت مستلقية في نفس الوضع
كل شيء تماماً كتلك اللحظة إلا أن الحلم لم يدم فقد إندفعت حوائط الغرفة وأخذت تقترب وتقترب أكثر وكادت تسحقني لولا أنني استيقظت...

اليوم ..أمي رحلت لتقيم لدى جدتي عدة أيام بسبب مرضها ومعها أخي الأصغر..وأبي ذهب للعمل مبكراً..أخي الأكبر كان مستيقظاً أيضاً لا أدرِ السبب..أما عني فقد طلبت إجازة من مديري بالأمس وقد وافق مرحباً بالفكرة برغم كثرة الأعمال في تلك الأيام وبرغم من صرامته في إمضاء الإجازات وقبولها..عليّ الإقرار أن زملائي في العمل تعجبوا من موافقته بتلك البساطة!

نهضت لأصلي قبل شروق الشمس..ثم أعددت كوب (نسكافيه) وجلست في الشرفة أنتظر مهاتفة صديقتي لأقص عليها الحلم عندما تستيقظ لتستعد للذهاب إلى العمل..وخطر بعقلي حينها قراءة أحد كتب شكسبير فتخيرت الملك لير ..لكنني لم أتكبد عناء البحث عنها فقد حفظته عن ظهر قلب.
استيقظت صديقتي وحدثتها لاعتذر عن عدم إيصالها للعمل بسيارتي اليوم..وأخبرتها بالحلم
فضحكت بشدة وقالت: "لو انتظرتي في الحلم لثانية أخرى أكثر لكنتِ الآن ميتة بحق!!"
ضحكت معها و انا لا أعلم صحة ما أخبرتني به..فهل عندما نموت في الأحلام نموت حقاً..؟

ولنفترض أنها على صواب ..لست خبيرة بالموت ولكني أعتقد ان روحي كانت ستتركني قبل تشوه جسدي وانطباق الغرفة حولي لم أكن لأشعر بألم إن مِتُ بهذه الطريقة..الموت واحد مهما اختلفت وسائله والموت واحد مهما تعددت العبارات الرنانة والمزخرفة في القصص والروايات العالمية لتصفه
تذكرت رواية الملك لير ثانيةً.. في الفصل الخامس حينما مات لير فلم يتمادى شكسبير بالوصف
وقال: مات الملك..
لم يقل أكثر ولم يهتم بالمبالغة..أحياناً كلمة الموت وحدها تكفي..

عدت إلى الشرفة لأتأمل السماء شعرت بنسيم عذب برغم شدة الحرارة
واستمتعت بأصوات الطيور حتى الغراب الذي اقترب من الشجر المقابل وأخذ بالنعيق..كان يبدو صوته رائعاً..
في العادة لم أكن لأحبذ رؤية ذلك الكائن ولكن اليوم مختلف....
لست أدرِ كيف أو لماذا لكنه يوماً رائعاً للموت..

كل ما يحدث يدل على ذلك وعدم ضيقي برغم كل شيء طمأنني..
لا أعلم هل سيبكي من أحبهم بشدة لفراقي..!! ولكن لماذا أهتم ستستمر الحياة لاحقاً
قمت بترتيب المنزل لأمي وارسلت الملابس للتنظيف وقررت أن انهي بعض أوراق العمل..

فلم ألبث حتى شعرت بإرهاق شديد وألم يكاد يعتصر عقلي..
وللحظة شعرت بأن كل شيء تغير..ازدادات ضربات قلبي..
وشعرت بالحجرة تضيق وتتسع وبأن عقلي ليس قادراً على استيعاب المزيد..
بالتأكيد ليس هذا مجرد هبوط في ضغط دمي..لابد أنه أكثر من ذلك..

تركت كل شيء وأغلقت النافذة بصعوبة وسط معاناتي الجسدية ثم أظلمت الحجرة .
هذه اللحظة رائعة للموت..استلقيت فوق سريري وابتسمت وأغمضت عيناي..
ربما سيدرك أخي بوجودي أو امي عندما تعود بعد عدة ساعات وأريدهم أن يروني مبتسمة.

شعرت أنني فقدت الاحساس للحظة..للحظات..لسنون أو قرون!! لست أدري
ثم سمعت من بعيد جرس هاتف المنزل..

ا ل ل ع ن ة!
من يقلق موتي بهذه الطريقة..اتركوني لأموت في سلام.........
دلف أخي لغرفتي ثم هزني ببطء وأخبرني أن الملابس تحتاج لمن يذهب لأخذها
لأن العامل لقىّ حتفه اليوم وسيغلقون لباقي الأسبوع..وهو لا يستطيع القيادة في ساعات الذُروة

شعرت بإحباط شديد فبعد أن جهزت يوم موتي يأتي عامل ليفسده ويظفر به لنفسه! أين ذهب الإيثار في هذا العالم!
حاولت تهدئة روعي ولم يبق لي سوى الأمل
لا بأس..
ربما غداً سيكون أيضاً يوماً رائعاً للموت..ربما غداً أجد مكاناً لي في هذا الفضاء لأعبر..